عدد سكان اليمن: تحليل ديموغرافي شامل
تشكل الجمهورية اليمنية واحدة من أكثر الدول العربية تعقيدًا من الناحية الديموغرافية والاجتماعية والسياسية، ويُعد فهم حجم سكانها وتركيبتهم السكانية من العوامل الأساسية لفهم المشهد اليمني برمّته. إن تتبّع التحولات في عدد السكان لا يقتصر على معرفة الإحصاءات، بل يتعداها لفهم الديناميكيات السكانية، والأنماط الحضرية والريفية، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تُسهم في تشكيل الحياة اليومية في هذا البلد الواقع جنوب شبه الجزيرة العربية.
يشهد اليمن منذ عدة عقود معدلات نمو سكاني مرتفعة، مقارنة بموارده الاقتصادية المحدودة والبنية التحتية الضعيفة، وهو ما جعل من التحديات التنموية والإنسانية قضية مستدامة في السياسات العامة للبلاد. ويُعتبر التركيز على عدد السكان ومكوناته من مدخلات التخطيط الإستراتيجي لأي جهود للتنمية أو الاستجابة للأزمات.
عدد سكان اليمن حسب التقديرات الأخيرة
وفقاً لتقديرات شهر يونيو 2025 الصادرة عن مصادر دولية موثوقة كـ”World Bank” و”UNFPA” ومنظمات إحصائية محلية، يبلغ عدد سكان اليمن حوالي 34.3 مليون نسمة، مع وجود هامش خطأ إحصائي ناتج عن التحديات التي تفرضها الظروف الأمنية والسياسية، والتي تؤثر بدورها على دقة التعدادات والمسوح السكانية.
ورغم الحرب المستمرة منذ 2015 والتي أفرزت موجات كبيرة من النزوح الداخلي والخارجي، فقد واصل عدد السكان ارتفاعه نتيجة للخصوبة العالية، حيث يبلغ معدل النمو السكاني السنوي حوالي 2.3%، وهو من بين أعلى المعدلات في المنطقة العربية.
توزيع السكان بين الريف والحضر
تُعد اليمن من الدول التي يغلب عليها الطابع الريفي، حيث تشير التقديرات إلى أن ما يزيد عن 62% من السكان يعيشون في المناطق الريفية، بينما يتمركز نحو 38% فقط في المدن والمراكز الحضرية. وهذا التوزيع غير المتوازن ينعكس على مستوى الخدمات العامة، حيث تعاني المناطق الريفية من نقص كبير في التعليم، الرعاية الصحية، والبنية التحتية الأساسية.
المراكز الحضرية الرئيسية في اليمن تشمل العاصمة صنعاء، وعدن، والحديدة، وتعز، والمكلا. إلا أن الهجرة الداخلية المتزايدة من الريف إلى الحضر بفعل النزاعات والفقر قد أدت إلى اكتظاظ المدن وخلق أحياء عشوائية تفتقر إلى الخدمات.
التركيبة العمرية للسكان
تُظهر الإحصاءات أن اليمن بلد فتي من حيث البنية العمرية للسكان، إذ يُقدّر أن نحو 60% من السكان هم دون سن 25 عامًا، وحوالي 38% هم دون سن 15 عامًا. أما من هم فوق سن الـ60 فلا يشكلون أكثر من 4% فقط من إجمالي السكان. هذا التوزيع العمري يعكس عبئًا كبيرًا على الموارد التعليمية والصحية، ويعني أن الاقتصاد اليمني يجب أن يوفر سنويًا مئات الآلاف من فرص العمل للشباب.
معدلات الخصوبة والإنجاب
تعد اليمن من بين الدول الأعلى في معدلات الخصوبة في العالم العربي. فبحسب آخر الإحصاءات، يبلغ معدل الخصوبة الكلي حوالي 3.8 طفل لكل امرأة. وقد سجل هذا المعدل انخفاضاً تدريجياً خلال العقدين الماضيين، حيث كان يتجاوز 6 أطفال في أوائل الألفينات. ويُعزى هذا الانخفاض إلى عوامل مثل التمدين النسبي، وزيادة الوعي الأسري، ومحدودية الموارد.
النزوح الداخلي والخارجي
نتيجة الحرب الدائرة منذ عام 2015، يعاني اليمن من واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم. تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هناك ما يقارب 4.5 مليون نازح داخلي، يعيشون في ظروف مأساوية داخل البلاد، إضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين في دول الجوار مثل السعودية وجيبوتي والصومال.
ويؤثر هذا النزوح على التوزيع السكاني ويعقد جهود التعداد السكاني. كما يساهم في تفاقم الضغوط على الخدمات في المدن التي تستقبل أعدادًا كبيرة من النازحين.
التوزيع الجغرافي والإقليمي
ينقسم اليمن إلى 22 محافظة، تختلف فيما بينها من حيث الكثافة السكانية، والموارد، والتنمية. تُعد محافظتا تعز والحديدة من بين الأكثر سكانًا، إذ يتجاوز عدد سكان كل منهما 3 ملايين نسمة. في المقابل، توجد محافظات نائية كـ المهرة وحضرموت وشبوة التي تقل كثافتها السكانية مقارنة بحجمها الجغرافي الكبير.
ويعكس هذا التفاوت الجغرافي تحديات كبيرة أمام صناع القرار في توزيع الموارد بشكل عادل وتحقيق التنمية المتوازنة.
جدول: توزيع تقريبي لسكان أبرز المحافظات اليمنية (2025)
| المحافظة | عدد السكان التقريبي (بالمليون) | نسبة من إجمالي السكان |
|---|---|---|
| صنعاء | 2.8 | 8.2% |
| عدن | 1.3 | 3.8% |
| تعز | 3.3 | 9.6% |
| الحديدة | 3.2 | 9.3% |
| حضرموت | 1.7 | 5.0% |
| إب | 2.9 | 8.5% |
| مأرب | 1.4 | 4.1% |
| المهرة | 0.3 | 0.9% |
| إجمالي تقريبي | 17.9 | ≈52% من إجمالي السكان |
التركيبة العرقية والثقافية
يتكوّن الشعب اليمني من تركيبة ثقافية متجانسة إلى حد كبير، مع تنوع طفيف في بعض المناطق الساحلية والجنوبية. ينتمي معظم السكان إلى العرب، مع وجود أقليات صغيرة من أصول إفريقية، خصوصًا في المناطق الساحلية الغربية والجنوبية، مثل الحديدة وعدن. كما توجد بعض الجماعات التي تُنسب إلى أصول جنوب آسيوية نتيجة تواصل تاريخي قديم مع الهند والسواحل الشرقية لإفريقيا.
ومن حيث التكوين المذهبي، يُشكّل المسلمون السنة (بمذاهبهم الشافعية والحنبلية) الأغلبية، مع وجود كبير للزيديين، خاصة في الشمال الغربي، مما يضفي بعدًا مذهبيًا على بعض التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد.
أثر الحرب على التركيبة السكانية
لقد أفرز الصراع اليمني الممتد منذ عام 2015 تغييرات جذرية في المشهد السكاني، ليس فقط من حيث النزوح، وإنما أيضًا في معدلات الوفيات والولادات، وانخفاض معدلات الزواج في بعض المناطق بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. وتشير التقديرات إلى أن ما يزيد عن 70% من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن عددًا كبيرًا منهم يعيش تحت خط الفقر.
كما أن الصراعات المسلحة أثرت على القدرات الإحصائية للدولة، حيث لم يُجرَ تعداد سكاني شامل منذ عام 2004، وتعتمد معظم البيانات الحالية على نماذج تقديرية وتحديثات ميدانية من المنظمات الإنسانية.
التعليم والديموغرافيا
يؤثر التوزيع العمري الشاب للسكان على القطاع التعليمي، حيث تحتاج الدولة إلى التوسع المستمر في البنية التعليمية. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي تصل إلى حوالي 75%، لكنها تنخفض بشكل حاد في المرحلتين الإعدادية والثانوية، خاصة في المناطق الريفية والفقيرة. ويُعد تعليم الفتيات تحديًا كبيرًا، حيث لا تزال الفجوة بين الجنسين قائمة، رغم بعض التحسن في السنوات الأخيرة.
التحديات المستقبلية
أمام اليمن تحديات ديموغرافية جسيمة في المستقبل، من أبرزها:
-
استمرار النمو السكاني السريع مع موارد اقتصادية محدودة.
-
التفاوت الإقليمي في الكثافة السكانية والخدمات.
-
أثر النزوح الداخلي والخارجي على هيكل السكان.
-
ضعف البنية التحتية اللازمة لاستيعاب الزيادة السكانية.
-
الحاجة إلى إصلاح شامل في النظام التعليمي والصحي.
وإذا لم تُقابل هذه التحديات بسياسات تنموية مستدامة، فإن النمو السكاني قد يتحول من فرصة ديموغرافية إلى عبء إنساني واقتصادي.
المراجع:
-
World Population Prospects, United Nations Department of Economic and Social Affairs (UN DESA), 2024.
-
الجهاز المركزي للإحصاء اليمني – بيانات تحليلية غير منشورة ودراسات تقديرية لمنظمات إغاثية، 2023-2024.
